كتاب لغز الموت مصطفى محمود
إنه لشيءٌ غريب أن يصبحَ الشيءُ لا شيء الموتُ لا يعني أحداً وإنما الحياة هيَ التي تعني الجميع إن الموتَ في داخله حياة لأن الموت يحدث في داخلنا كل لحظة حتى ونحنُ أحياء إننا معنوياً نموت ومادياً نموت وأدبياً نموت في كل لحظة حتى الأفكار والعواطف تموت بالموتِ تكون الحياة وتأخذ معناها التي نحسه ونحياه كيف لا وهيَ المحصلةُ بين القوتين معاً الوجود والعدم وهما يتناوبان بالانسان شداً وجذباً الموت يسترق الخطى كاللص تحت جنح الليل ويمشي على رؤوسنا فتبيضُّ له شعراتنا شعرةً شعرةً دون أن نحس لأن دبيبه دبيب الحياة الموت يبدو مكملاً للحياة فهو كالبستاني الذي يقتلع النباتات الفاسدة ويسوي الارض ويحرثها ليفسحَ المجال للبذور الصغيرة الرقيقة لتطرح ثمارها ...يبدو كالرَّسام الذي يمحو من الرسمة خطاً ليضع واحداً أفضل منه الموتُ فضيلة وخير بالنسبة للكون كله لانه به تكون الاشياء موجودة وتكون المخلوقات مفعمة بالشعور والحياة كل مثلً اخلاقي قوته في انه يواجه مقاومة وهو ينهار لولا وجود عكس المعنى لما كان للمعنى معنى ان كل شيء في حياتنا نابع من الموت فلا معنى للحياة من غير موت فكل قيمنا الجميلة نابعة منه وحياتنا غير منفصلة عن الموت فكل منهما مشروط بالآخر الحرية جوهر الانسان وروحه الإنسان مخيّرٌ فيما يعلم ومسيرٌ فيما لا يعلم الحياة كعنصر الكربون.